بداية الفكرة كانت أثناء إعدادي لعرض ورشة أزين والذي كانت مقدمته تستعرض بعض المنتجات بدون “براند” أو بدون “هوية” وفعلاً فكرت حينها هل نستطيع ذلك.. هل بإمكاننا حتى تخيل عالمنا بلاهويات..؟
ماذا فعلاً لو استيقظنا يوماً لنجد عالمنا بلا هويات؟ ماذا لو ذهبنا للتسوق ووجدنا كافة المنتجات بلا شعارات ولاألوان ولاأسماء ولا علامات تجارية؟ ماذا لو أصبحت جميع هذه المنتجات تحمل نفس الشكل واللون وتحتل نفس الأماكن على الرف؟
ماذا لو أصبحت شوارعنا بلا لوحات ولا إشارات، ودولنا بلا أعلام؟ كيف ستبدو صحفنا ومجلاتنا، مسلسلاتنا وبرامجنا المفضلة، أكواب قهوتنا وملابس فرقنا الرياضية؟ كيف سنختار مانريد ونعبر عن أنفسنا وشخصياتنا واختلافاتنا وأذواقنا وطبقاتنا الاجتماعية..؟
في المقابل.. ماذا لو كان كل مانعرفه عن أسباب شراءنا لهذه المنتجات خاطئ! ماذا لو كان هناك من يدرس شخصياتنا ويحلل سلوكياتنا وتصرفاتنا ويخطط لنا ويقرر عنا .. ليوهمنا أن معه ستكون لنا “حياة أسهل”
واقعنا يقول أن معدل مانشاهده من رسائل إعلانية يتراوح بين 3,000-20,000 رسالة كل يوم، نصفها يمر بدون وعي منا، بعمر العشرين يكون معدل ماشاهدناه من رسائل اعلانيه يصل إلمليون!
الوقت الوحيد الذي نكون بعيدين فيه تماماً عن هذه الرسائل الإعلانية هو “النوم”.
في السعوديه، والتي تحتل المرتبه الثانية عربياً في نسبه الانفاق الإعلاني، تصل نسبه هذه الزيادة إلى 30% سنوياً ليصل حجم الصناعه إلى4 مليار دولار.
الانفاق الإعلاني يزيد، الرسائل الموجهة لنا تزيد، لكن في المقابل الفاعلية تقل. قدرة العملاء على تذكر هذا الكم الهائل من الرسائل تضعف وقدرتهم على تمييز المنتجات يقل، لذلك لجأت الشركات إلى أساليب تسويقية و”حيل” تجعلنا ننفق أكثر ونأكل أكثر ونستهلك أكثر.
تدوينة واحدة لاتكفي لعرض كافة الأساليب لذلك سأستعرض في الجزء الأول بعض هذه الحيل من خلال تصنيفها إلى مجموعات:
1- “ماما جابت …. عميل”
- أدركت الشركات أن ماتتعرض له الأم أثناء حملها يؤثر لاحقاً على اختيارات وذوق الجنين، فبدأت باستهداف النساء الحوامل من خلال ترويج منتجات وخدمات معينة. ومثال على ذلك مافعلته شركة جونسون أند جونسون في أحد المولات التجارية في الصين حيث لاحظت الشركة أن النساء الحوامل يمضين وقت طويل في التسوق – خاصة في الأشهر الأخيرة – فبادرت برش المحل بعطور جونسون أند جونسون. ماحصل بعد ذلك أن أطفال النساء الحوامل أصبحن أكثر هدوءاً عند دخولهم للمحل، وقد يتوقفون عن البكاء. الأهم أن منتجات جونسون أصبحت هي الخيار الأول للأطفال عند الشراء!
- الكثير منا يستهلك عدد من المنتجات بدون سبب واضح، ولعل أحد الاسباب التي تجعلنا نعشق منتجاً ما أو نفضله عما سواه هو كوننا تعودنا عليه من الطفولة. لماذا ترفض جداتنا وأحياناً امهاتنا تناول الطعام السريع مثلاً؟ الأمر يتعدى “الصحة” بل يصل إلى “التعود” .. اختياراتنا في الطفولة تؤثر لاإرادياً على خياراتنا في المستقبل وقد تمتد معنا إلى آخر حياتنا وإلى أبناءنا وأحفادنا أيضاً. لذلك بدأت الشركات في استهداف الجيل الجديد والأطفال في سنوات مبكرة لضمان ولائهم للمنتج مستقبلاً. ولعل هذا مايفسر خطوط الانتاج الجديدة المخصصة للأطفال ابتداءاً من Gap kids و Burberry kids ومروراً بـ Channel وBaby Fitaihi ووجبات المطاعم المخصصة للأطفال كهابي ميل. الشركات تدرك جيداً أن تكوين علاقة مع الأطفال يعني ضغط على الكبار لشراء هذه المنتجات والتخلص من الحاحهم.
- قد يكون تسويق المنتجات أساساً بحجة ملائمتها للأطفال، هذا الكم الهائل من التطبيقات الموجهة للأطفال، عروض وتخفيضات على الأجهزة الإلكترونية بمناسبة العودة للمدارس ليس وليد الصدفة. مؤخراً شاهدت إعلان لهاتف نوكيا لوميا يدعو بكل صراحة إلى اقتناء الجهاز للتخلص من أسئلة الأطفال وفضولهم.
https://www.youtube.com/watch?feature=player_detailpage&v=oNF5VzqQxqc
2- “إنت مو إنت .. وأنت خايف”
الخوف من أهم المشاعر البشرية التي تؤثر فينا وتتحكم في انفعالاتنا وتصرفاتنا. والخوف لايشمل فقط المفهوم السلبي، بمعنى الخوف من الأشياء المرعبة والمخيفة، بل يشمل ايضاً الخوف من العزلةالاجتماعية، من الصورة الشخصية الباهتة، من الوحدة، من السمنة، من المرض، من الجلد المترهل ومن التجاعيد.
- استغلت الشركات هذه العاطفة لتضخيم حجم مشكلة صحية معينة أو إثارة الشكوك حولها بهدف ترويج المبيعات. ماحصل في العالم من ثورة أثناء “انفلونزا الطيور” و”انفلونزا الخنازير” يتعدى بكثير مشكلة صحية. أصبحنا مدمنين لمعقمات الأيدي والمطهرات لدرجة أن استهلاكنا لها زاد عشرات الأضعاف، أصبحنا نادراً مانغادر بيوتنا أو مكاتبنا بدون عبوة معقم الأيدي ولعلنا استغنينا بها عن غسيل الأيدي بالماء. من الذي كسب؟ شركات المنتجات الصحية، ديتول، لايف بوي وغيرها الكثير. حتى أن الشركات التي تنتج منتجات بعيدة نوعاً ما عن المنتجات الصحية أخرجت خطوط انتاجية جديدة خاصة بالمعقمات مثل Bath & body works.
- الخوف قد يكون أيضاً من التعرض لمشكلة صحية مؤلمة أو حتى زيارة الطبيب. الصورة التي تركز عليها دعايات معجون الأسنان التي تبرز لثة تسيل منها الدماء أو بقع دم على المغسلة تغذي لدينا الشعور بالخوف فنبادر بشراء المنتج لكي لانصل لهذه المرحلة المؤلمة البشعة.
- الخوف قد يكون من حالة صحية واجتماعية غير مرغوبة كالسمنة، وهذا مايستخدم في الترويج للمنتجات الصحية أو “الدايت”. العديد من المنتجات التي تحمل هذه المسميات لاتقل سوءاً على المنتجات العادية وقد تكون أسوء لاستبدالها المكونات الطبيعية من دهون وسكريات بمواد صناعية وحافظة وسكريات أخرى تزيد الموضوع سوءاً.
- الخوف قد يكون أيضاً من حالة اجتماعية لانرغب بأن نظهر بها، وهذه الحالة التي تستخدم لترويج منتجات العناية الشخصية كشامبو ضد القشرة، صابون حب الشباب وكريمات التبييض السحرية.
- بما أن المرأة بطبيعتها أكثر احساساً بالذنب من الرجل، فهي المستهدف الأول في هذه الحملات حتى وإن لم يكن المنتج يتعلق بها. الأم المثالية هي التي تمسح أرض منزلها بالديتول كي لايمرض أبناءها، الزوجة المثالية هي التي تغسل ملابس زوجها بلينور حتى يفتح الدولاب بعد ثلاث أشهر ويخرج منه فل وورد وياسمين، الأم الجيدة هي التي تدهن ابنها بالفيكس قبل نومه وهلم جرا.
3- “الطازج .. ليس دائماً طازج”
- كم شخص فينا يقرر التوجه لأقرب سوبرماركت عندما يرغب بشراء الورد أو النباتات ؟ أكاد أجزم أن أقل من 1% من الناس يفعل ذلك. إذا لماذا يصر السوبرماركت على تخصيص ركن للورد والنباتات الطبيعية طالما ليس هناك مبيعات؟ الجواب ببساطة لأنها تعكس وتعزز فكرة “الطازج، المقطوف للتو، طبيعي” وعادة مانلاحظ أن هذه الأركان تكون بالقرب من الخضار والفواكه..!
- صناديق الفواكه والخضار التي قد نجدها أحياناً على الأرض، ليست وليدة الصدفة، وليست لأن موظفي المحل مشغولين، بل هي حركة متعمدة تهدف لتوصيل فكرة (طازج، وصل للتو من المزرعة لدرجة أننا لم نتمكن حتى من ترتيبه على الرفوف).. العجيب أني فعلاً أجد الناس يتهافتون لشراء هذه الصناديق ويتركون ماهو معروض على الرفوف.
- قطرات الماء على الفواكه والخضار وعبوات العصير مزيفة، ويتم رشها بهذه الطريقة لتوهمنا انها طازجة.
- السمك الذي يوضع في الثلج قد يكون مضى على وجوده في الثلاجة أسابيع، ويعرض بهذه الطريقة ليعكس فكرة أنه طازج وللتو وصل من البحر.
- الفواكه بأشكالها ونكهاتها التي غزت كافة منتجاتنا، ابتداءاً من منظفات المنزل، مروراً بمستحضرات التجميل وانتهاءاً بمعطرات الجو والغسيل.
الهدف من عرض هذه الأساليب ليس مقاطعة المنتجات والشركات، حياتنا بدون هذه المنتجات والهويات كئيبة وصعبة ومملة. بهذه المنتجات والخدمات تصبح حياتنا أسرع وأفضل وأسهل. لكن الهدف من الحديث هنا وكشف هذه الأساليب هو أن نفكر جيداً قبل اتخاذ أي قرار شراء،
- هل المعلومة التي بنيت عليها قرار الشراء صحيحة أم تم التلاعب بها؟
- هل هذا هو المنتج الذي يناسبني ويلبي احتياجي أم أني سعيت للخيار الأسهل والأفضل و”الأكثر دعاية وترويجاً”؟ قد يكون المنتج المناسب لي مختبئاً خلف الرفوف
- هل الصورة التي خلقتها في ذهني عن هذا المنتج أو الخدمة صحيحة؟ هل فعلاً سيكون لدي هذا الشعور بمجرد استخدامها؟ هل تأثر قراري هذا بإعلان أو بحديث سمعته من زميل لي يمدح المنتج؟
بمجرد أن نجيب على هذه الأسئلة ونعرف جيداً لماذا نشتري وماذا نشتري، ونعلم أولادنا أيضاً كيف يفكرون بهذه الطريقة، ستكون خياراتنا أفضل وأكثر حكمة وأقل تكلفة.
المصادر
5 تعليقات
يعطيك العافية على الموضوع الرائع والإفادة ..
وفعلا كل الشركات تحاول ان تبيع أكبر قدر من منتجاتها وكثيرا ما تنطلي على المستهلك العربي هذه الحيل التسويقية ..
مقال ممتاز ورائع. ولدى بالفعل فكرة مسبقة عن كون الأساليب الدعائية والأعلانيه تتم عن طريق غسيل المخ حرفيا..
شكرا على المقال الرائع
اعتقد انه يجب النظر الى الفائده التي نريدها من المنتج
فقد نشتري احيانا منتجات لا نحتاجها ولكننا نريدها!
فكم من مره توجهنا لنشتري شي وعدنا باغراض كثيره ونسينا ان نشتري ذلك الشي الذي ذهبنا من اجله
ما شاء الله مقالة أكثر من رائعة غنية بالمعلومات التسويقية يعطيكي العافية
مقال ممتاز جدا واكثر من رائع عن التسويق الالكترونى